من لغة الحوار إلى لغة الضجيج: أين ذهب بريق مذيعي الأمس ؟
بقلم : د . ليليان خليل . عالم الفن والأدب.
في التسعينات، كان المذيع هو عنوان الاحترام ورمز الثقافة، كان يطل على الشاشة بملابس أنيقة، وصوت رصين، وكلمات موزونة تُصاغ بعناية. لغة الحوار كانت راقية، تحترم عقل المشاهد قبل أذنه، وتحمل رسالة واضحة المعالم. حتى أسلوب طرح الأسئلة كان ذكياً، يعرف متى يصمت ليستمع، ومتى يتدخل ليقود الحوار دون أن يخطف الأضواء من الضيف.
أما اليوم، فالوضع تغير.
كثير من مقدمي البرامج أصبحوا يبحثون عن “الترند” بأي طريقة، حتى لو على حساب القيم الإعلامية. لغة الحوار في كثير من الأحيان فقدت الرصانة، وتحولت بعض البرامج إلى ساحات جدال وقطع كلام، أو حتى استعراض شخصي للمذيع بدل أن يكون منصة للضيف. وأصبح المشاهد أحيانا، يشعر أنه أمام مباراة صخب لا حلقة حوار .
المشكلة ليست فقط في اللغة، بل في غياب الوعي بأهمية الدور الإعلامي. الإعلام ليس مجرد ترفيه أو مادة سريعة على السوشيال ميديا، بل هو مدرسة تربية فكرية وذوقية للمجتمع، مذيعو التسعينات كانوا يدركون أنهم قدوة، أما كثيرون اليوم فيتصرفون وكأن الشاشة ملكهم وحدهم، والمشاهد مجرد رقم في نسب المشاهدة.
الفرق بين الأمس واليوم ليس في التكنولوجيا أو الديكور، بل في المضمون.
في زمن التسعينات، كان المذيع يتركك بعد الحلقة محملاً بفكرة أو قيمة أو حتى ابتسامة هادئة. أما الآن، كثير من الحلقات تتركك محملاً بضجيج، لا أكثر.
وماذا بعد !